أكثر الكلمات انتشاراً

إعلان

رولا خرسا تكتب: أنا والمرض

02:34 م الخميس 15 نوفمبر 2018
رولا خرسا تكتب: أنا والمرض

رولا خارسا

أعترف أني أجبن من الجبن ذات نفسه عندما يتعلق الأمر بالمرض.. أخاف من المستشفيات ومن الحقن ومن غرف الأشعة، أزور الأطباء عندما يتدهور الوضع بشدة.. ولا أسمع كلامهم أصلًا.. أعترف بكل هذا، تصيبني نوبات أو بانيك أتاكس عندما يمرض عزيز.

أذكر مرة أمي تعبت جدًا الفجر فجلست معها للصباح حتى عثرت على طبيب طمأنني -الحمد لله- وأسعفها، بعدها مرضت أنا يومين بسبب توتري وادعائي القوة.

أنا منذ طفولتي لا أحتمل منظر الدماء وكان يُغمى علي، أما اليوم فالبركة في نشرات الأخبار، أصبحت أكثر تعودًا وتماسكًا.

إذن الحكاية متأصلة في ولكن تجربتي مع المرض جعلت خوفي أكبر.. منذ عدة سنوات دخلت المستشفى لإجراء عملية من المفترض أنها ليست خطيرة جدًا.. وفي غرفة العمليات أخبرت طبيب التخدير أني لا أحتمل الألم فأخذ الموضوع بدعابة، وسمعت كلام عن "الناس المدللة" وما أن بدأ في إعطائي الحقنة وكان من المفترض أن أبقى واعية، شعرت بألم شديد ونظرت للطبيب وقلت له "أنا تعبانة"، وأغمي علي.

لم أستيقظ إلا في غرفة الإفاقة والطبيب قُربي وفوقي بطاطين كثيرة ودفائتين وكنت أرتعش بشدة دون توقف.. بعد توقف الرعشة بدا الألم.. كان ألمًا شديدًا جدًا، وللمرة الثانية أخبرت الطبيب أن لا قدرة لي على احتمال أي وجع، وكانت الإجابة للمرة الثانية غريبة: "ما كل الناس بتاخد الجرعة دي دون شكوى".. كان يعاملني كشخصية مشهورة مدللة تتوقع من الجميع اهتمامًا خاصًا.. وهو أمر مؤسف جدًا لأنه بعيد جدًا عن حقيقتي، فأنا فعلًا لا أستطيع احتمال الألم واكتشفت بعد تجربة المرض هذه أني مصابة بـ"vasovagal " وهو أمر أشبه بالمرض، يؤدي إلى انخفاض شديد في الضغط وضربات القلب عندما يتعرض الشخص الذي يعاني من الفازوفيجال لألم شديد أو لمشهد عنيف.. لم أكن أعلم بهذا قبل عمليتي هذه، كنت فقط أعلم أني لا أستطيع احتمال أي وجع.. ولكن كيف أقنع الطبيب بهذا؟.. الطبيب الذي خرج من غرفتي وتركني والألم لا يزال يقطع أحشائي.

فجأة بدأت أشعر أنني أفقد الوعي.. ودخلت في تجربة الموت التي لا مكان لذكرها هنا لأن المقال عن المرض.. عند الإفاقة وجدت نفسي في غرفة العناية المركزة وأنا متصلة بأجهزة متعددة.. تفصلني ستارة عن مريضة قربي كانت على ما يبدو تعاني من مرض صدري لأنني لم أرها ولكن كنت أسمع صوت سعالها وتأوهاتها.. وكانت قوانين غرف العناية تمنع الزيارة إلا لوقت محدود ولفرد واحد كل مرة.. وطبعًا بقيت دون هاتف محمول أو أي وسيلة ترفيه.. وما بين النوم واليقظة استعرضت شريط حياتي كله في الأيام التي قضيتها هناك.. بتفاصيل لم أكن قد وعيتها قبلًا..كانت أيام من أصعب أيام حياتي ولكني استفدت منها الكثير جدًا.. عرفت قيمة أمور كثيرة نعتبرها مُسلَّم بها في حياتنا ولا نتخيل أننا ممكن أن نفقدها في ثانية، مثل الصحة.. تعلمت أن الحياة ممكن أن تنتهي في أي لحظة، لذا من الأفضل أن نحياها صح.. تعلمت أن البشر مواقف وأن المرض يكشفهم لك.. اكتشفت أنك أثناء المرض تكون ضعيفًا جدًا جسديًا ولكنك تصبح بعدها أقوى.. اكتشفت أن كل شيء في الحياة يتلاشى ويصغر أمام رغبتك في القيام من سريرك دون مساعدة.. وأن الحياة مهما طالت قصيرة.. وأنك "لو فاكر أن بكرة مضمون فأنا بقولك ولا اللحظة اللي جاية".

تجربة المرض علمتني أسامح أكتر بلا زعل بلا وجع قلب.. علمتني ألا أقف أمام تفاصيل كثيرة وأن أعرف قيمة المهم والأهم.. جعلتني أنتقي البشر من حولي، تجربة المرض جعلتني أدرك أني مفارقة أن عاجلًا أم آجلًا فاعمل يوميًا راجية إرضاء المولى وألا أهتم إلا بدائرتي الصغيرة المحيطة، فللناس شؤون وأمور لا تعنيني.. تجربة المرض جعلتني أرجو أنه بعد رحيلي سيقول عني الناس كانت كاتبة مؤثرة أو تركت بصمة كمذيعة طبعًا هذا سيجعلني سعيدة في تربوي ولكن ما سيجعلني أسعد بكثير هو أن يترحم علي كل من أحبني بصدق ويقولون:كانت ست طيبة.

فيديو قد يعجبك:

صحتك النفسية والجنسية