أكثر الكلمات إنتشاراً

شفرة التشويه
الختان يلاحق ذوات الضفائر

تتصاعد حرارة الجو ويعلن الصيف احتدامه، تستعد الصبية لاستقبال العطلة، بينما تهرب الفتيات من ذكرياتهن الأليمة مع الصيف، حيث عبثت المشارط بأجسادهن.. ختان الإناث جريمة تلاحق الضحايا في جميع مراحلهن العمرية.

شيماء علاء.. تأخذنا في رحلة مع ذكرياتها التي بدأت بمشرط ختانها وانتهت بها كسيدة تحارب العادات والمعتقدات في قريتها "الزرابي" بمحافظة أسيوط، حيث يبدأ الموسم السنوي للختان في فصل الصيف.

وفقًا لتعريف منظمة الصحة العالمية، فختان الإناث يعني إزالة أي من الأعضاء التناسلية الخارجية بشكل جزئي أو تام أو إلحاق إصابات بتلك الأعضاء دون مبرر طبي واضح.

إعلان

إعلان

بدأت الحكاية في صيف 1999، حيث أتمت الصغيرة العاشرة من عمرها، فأخبرتها والدتها أنها ستجري عملية الطهارة مثل باقي الفتيات، كان لها سابق معرفة عن تلك العملية التي خضعت لها ابنة عمها، والإعياء الشديد الذي تعرضت له وبكاءها من شدة الألم.

حاولت شيماء، الرفض والامتناع عن إجراء الختان ولكنها استسلمت في النهاية تحت ضغط أسرتها، وما أن رأت الدماء حتى أغشي عليها، لتفيق على ألم لا يمكنها احتماله.

رغم مرور عشرين عامًا على تلك التجربة فإن شيماء، لا زالت تتذكر كل تفاصيلها، حتى الأنوار والزينة التي علقتها والدتها والتي لم تفهم سبب وضعها بينما هي مريضة طريحة الفراش ترهقها الزيارات المنزلية وحديث النساء وثرثرة الفتيات اللاتي ينتظرن دورهن لإجراء الختان.

الدورة الشهرية جددت مخاوف الصغيرة من الدماء والألم حيث استيقظت لتجد الدماء على ثوبها وآلام تقطع أحشائها، "كنت خايفة أقول لأمي.. علشان معرفش هيعملوا فيا إيه تاني".

إعلان

إعلان

شيماء.. تحارب العادات وتهزمها في قلب الصعيد

انضمت شيماء، للعمل بإحدي الجمعيات الخيرية في قريتها، وكان أحد برامجها مناهضة ختان الإناث والذي يتم العمل فيه مع منظمة اليونيسيف العالمية، في بداية الأمر لم تكن لديها معلومات كافية عن الختان ولكن بعد الدورات التي خضعت لها والتي دامت لشهرين أصبحت جاهزة للعمل، بعد أن اختبرت أضرار الختان النفسية والجسدية بنفسها وتدربت على كيفية تبسيط المعلومة لأهل قريتها.

حديثها اللبق وطلاقة لسانها ووجهها الذي لم تفارقه الابتسامه سمحوا لها الدخول لبيوت الأهالي في قريتها.. تطرق الباب وتقوم بتعريف نفسها وأنها مندوبة الجمعية التي تقدم مساعدات لأهالي القرية، وبعد تجاذب أطراف الحديث مع السيدات يسمحن لها بالدخول ويتناولن العيش والملح، ومن هنا تبدأ معركتها لهزيمة الختان.

"أول ما يقولولي اتفضلي نشرب شاي.. أعرف إني وصلت لقلوبهم وهوصل لعقولهم"، تستدرجهن إلى هدفها: "انت سمعتي حاجة عن ختان الإناث؟"، تجيبها النساء أنها عادة وقعت عليهن ويمارسونها مع بناتهن وسيمارسونها مع الحفيدات أيضا، تكتفي في الزيارة الأولى بعرض سريع عن الموضوع وقبل الدخول في تفاصيله الطبية وآثاره تهم بالانصراف.

في الزيارات التالية تخبرهم بما لديها من تفاصيل وتطرح عليهن التخلي عن تلك العادة التي تشوه بناتهن وتلحق بهن الأذى.. "الأسرة الواحدة ممكن تحتاج 10 زيارات أو أكتر" وبعد تعارف ومحبة وجهد مضني لإقناعهم تجني شيماء، الثمار عندما تعلن إحداهن أنها تراجعت عن ختان ابنتها.

في جولاتها المعتادة، استوقفتها عبير، صاحبة الإثنى عشر ربيعًا والتي لم تحصل على فرصتها للتعليم تصمم أن يتم ختانها مثل باقي قريباتها، بعد زيارات عدة لوالدة الطفلة والتي اقتنعت أخيرًا بعدم جدوى ختان ابنتها، صاحت الصغيرة في وجه شيماء قائلة: "أنت مالك يا أبله أنا عايزة أتطاهر زي باقي البنات".

بعد دقائق من الصمت قررت أن تحول جبهتها لتلك العنيدة التي تصر على رأيها، بدعوى أنها ليست أقل من الأخريات، وأن الختان خطوة في حياتها تؤهلها للزواج السعيد، وستجني بعد إجرائه عطف من حولها وكثير من الطعام الشهي والاهتمام الذي لم تحظى به في أوقاتها العادية، لتظن أن تلك الدماء ستجلب لها الشعور بالحب الذي تفتقده.

امتنعت عبير عن الطعام وقررت عدم المشاركة في الأعمال المنزلية اليومية التي ترهقها، إلى أن استجابت والدتها لرغبتها، وتم استئصال جزء من جسدها أمام عينيها.

شيماء.. تحمي ابنتها من الختان

إعلان

إعلان

في مطلع حديثها تسألها النساء عن تعرضها لعملية الختان "وانت بقى اتطاهرتي زينا ولا لأ"، اعتادت على السؤال الذي ترد عليه في كل مرة بصراحة شديدة، لتخبرهن أنها خضعت لذلك التشويه جبريًا من والدتها والتي كانت صاحبة القرار حينها.. وعندما رزقها الله بطفلة أصبحت هي صاحبة القرار ولن تعرض صغيرتها للختان رغمًا عن الجميع.

تواجه شيماء تحدٍ جديد بولادتها لأنثى يفترض الجميع أنه سيسري عليها ما جرى لباقي الفتيات.. والدة شيماء وحماتها هن من أعلنّ الحرب عليها متمسكات بضرورة ختان طفلتها، لتصعد جدة الطفلة الحرب "هاطاهرها إن شالله بإيدي"، لترد شيماء: "لو على جثتي مش هخلى حد يلمس بنتي".

معايشة شيماء لآهات الصغيرات اللاتي لم يخلصن من الألم، والكبيرات اللاتي يتعثرن في حياتهن الزوجية، و8 سنوات من العمل على مناهضة الختان، وتجربتها الشخصية المريرة مع هذه العادة المقيتة، هم مصدر القوة التي ترفض بها ختان طفلتها.

الختان تحت مظلة الزواج

إعلان

إعلان

آمال حسين، جارة شيماء، متزوجة ولديها أربعة أطفال، ماتت والدتها وهي في الثامنة فلم يطلها الختان كبنات قريتها، ظنت أن القدر أعفاها من العبث بجسدها، إلى أن قرر والدها تزويجها وهي في السادسة عشر من عمرها، ابتهجت الصغيرة التي ستتوج كعروس يحتفي بها الجميع، وفي حديث جانبي مع شقيقة عريسها أخبرتها أنها لم تخضع للختان.

السر الذي قيل بين الصبايا انتقل إلى والدة العريس التي لم يعجبها الأمر، وذهبت في زيارة سريعة لمنزل الطفلة العروس لتتأكد منها.. اشتعل الغضب في قلب حماتها التي طلبت من والدها أن يجري لابنته عملية الختان وإلا يصرف نظر عن الزواج.

انصاع الأب لدموع وتوسلات ابنته، ورفض أن يجري لها الختان، وبعد ضغط العريس تم الزواج، وفي صباح اليوم الأول للزفاف أخبرتها والدة الزوج أن الداية في طريقها لإجراء عملية الختان.. ثارت العروس واستنجدت بزوجها الذي خذلها وحاول إقناعها بفائدة تلك العملية التي تم إجرائها لجميع الفتيات.

تم إجراء عملية الختان وتعرضت آمال لنزيف شديد لأيام متتالية، وانخفاض نسبة الهيموجلوبين في دمائها، لصعوبة العملية التي تم استئصال جزء كبير من الشفرين خلالها.

يتم تشويه الأعضاء التناسلية بثلاثة أشكال مختلفة وفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية والذي حدد تلك الأنواع في التالي:

النوع الأول: "استئصال القفلة" ويتم عن طريق استئصال القفلة مع البظر بشكل جزئي أو كلي.

النوع الثاني: "استئصال البظر" ويتم استئصال البظر مع الشفرين الصغيرين بشكل جزئي أو تام.

النوع الثالث: "الختان التخييطي" هو أكثرهم قسوة ويتم عن طريق استئصال الأعضاء التناسلية بشكل جزئي مع تضيق الفوهة المهبلية.

نُقلت آمال إلى المستشفى وبدلًا من السفر لشهر العسل، قضت أسبوعًا من الألم في المستشفى، تعافت جسديًا بعد فترة، ولكن قلبها لازال يحمل الضغينة لمن تسبب بإيذائها، وأصبح الشجار بينها وبين الزوج هو السائد، وعادت لبيت والدها مرات.. يرضيها زوجها وتعود معه لتتذكر الأسى والألم كلما حاول الاقتراب منها.

رزقت بأربعة أطفال ثلاثة ذكور وأنثى، أجرت لها عملية الختان وهي في السابعة من عمرها جبرًا، ولكنها وافقت حتى لا تتعرض للختان في الكبر مثلما حدث معها.. عرضت آمال طفلتها لأذى حالي خوفًا مما ينتظرها في المستقبل.

إعداد: ندى سامي

إنفوجرافيك : مايكل عادل

فيديوجرافيك : أحمد عبد الغني

إشراف عام: علاء الغطريفي