أكثر الكلمات انتشاراً

إعلان

"اكتئاب الحمل".. 9 أشهر من الحِمل

02:49 م الثلاثاء 25 ديسمبر 2018
"اكتئاب الحمل".. 9 أشهر من الحِمل

اكتئاب الحمل

كتبت: ندى سامي

لم تشعر إلا بتدفق الدماء من يدها اليمنى وبعدها غابت عن العالم، فاقت من إغمائتها الطويلة على صوت والدتها قائلة "لو بنتك كان حصلها حاجة مكنتش هسامحك طول عمري".. منال محمد متزوجة منذ عام في السادسة والعشرين من عمرها، وحامل في الشهر السادس تلك هي المعلومات التي كتبت على البطاقة الطبية الموضوعة على سرير موحش يحمل جسدها الواهن، تغطيه ملائة بيضاء ملوثة بالدماء.

لحظات من اليأس دفعتها للاستسلام ومحاولة الانتحار، فقطعت شرايين يدها اليمنى بسكين حاد وعلى إثره نقلتها والدتها للمستشفى.. ساعات طويلة قضتها بين نقل الدم والمحاليل وهي غائبة عن الوعي، تعاني منال منذ بداية حملها مما يعرف باكتئاب الحمل والذي يصيب أكثر من 16% من النساء وفقًا لتقرير منظمة الصحة، مشيرًا إلى أن معدل انتشار الاضطرابات النفسية في الفترة بين الحمل ولمدة سنة بعد الولادة تزيد لدى النساء في الشرق الأوسط مقارنة بالدول المتقدمة.

رحلة الاكتئاب

لم تكن منال تخطط للحمل وفق اتفاق مبرم بينها وبين زوجها على تأجيل الحمل لمدة عامين، ولكنها بعد مرور عدة أشهر على الزواج فوجئت بالحمل، تقبلت الأمر واستكملت روتين حياتها دون مشكلة، خاصة وأنها لم تكن تشعر بأعراض الحمل، في السابعة صباحًا تذهب لمقر عملها الذي يبعد عن منزلها ساعتين حيث تعمل كمهندسة ديكور، وذلك يوجب عليها أيضًا كثير من التنقل والحركة على مدار اليوم، وتعود في السادسة مساءًا لتقضى متطلبات المنزل حتى يأتي زوجها.

لم تشعر منال بأي مشاكل إلا عندما فوجئت بنزيف وأخبرها الطبيب بضرورة المكوث في المنزل حفاظًا على الحمل، بعد إجازة أسبوع قضتها في منزل والدتها عادت إلى عملها، ولكن بعد تلك الاجازة المرضية شعرت بالضيق وأن الحياة لم ولن تعود لوتيرتها الطبيعية منذ ذلك الوقت.. وفي تلك اللحظات الفاصلة بدأت رحلتها مع الاكتئاب.

"حسيت بخوف وخنقة ومن وقتها وأنا بعيط... بعيط وبس"، في بداية الأمر حاول زوجها تهدئتها وتفهم الوضع الجديد التي تمر به، ولكن لم تجدي محاولاته في التخفيف عنها، ومع مرور الأيام بدأت تسوء حالتها، كرهت الذهاب للعمل وزيارة والدتها، وحتى جلسة الرفاق التي كانت تنتظر موعدها تعتذر عنها بدون مبرر، فانعزلت عن العالم واختطفها الاكتئاب.

حسب الحقائق التي أقرتها منظمة الصحة العالمية، تعيش أكثر من 135 مليون امرأة، كل عام تجربة الولادة وتواجه نحو 20 مليون منهن أمراضا واضطرابات لها علاقة بالحمل وما بعد الولادة ويشكل الاكتئاب أحد هذه الاضطرابات، حيث تصاب 12-16 بالمائة من النساء بالاكتئاب وتشكل المراهقات ربع هذه النسبة، ما معناه أن واحدة من أصل 6 نساء تصاب بهذا الاضطراب، والذي يعرف على أنه اضطراب أنثوي يمكن علاجه، ويتسم بالشعور الدائم بالحزن وفقدان الاهتمام بالأنشطة اليومية ويكون مقرون عادة باستمرار الأعراض لمدة أسبوعين على الأقل.

ولكن منال استمر الأمر معها لأكثر من أسبوعين، فتجاوزت الثلاثة أشهر وهي تعاني من أعراض الاكتئاب والتي تتمثل في الشعور الدائم بالحزن والعزلة الاجتماعية، صعوبة في النوم والاستيقاظ في الليل، الشعور بالتعب والإعياء، فقدان في الشهية أو أحيانًا الإفراط في تناول الطعام، وصعوبة في التركيز، أفكار للانتحار أو إيذاء النفس، هكذا قالت الصحة العالمية عن أعراض اكتئاب فترة الحمل، في إشارة إلى أن تلك الأعراض تختلف من شخص لآخر بحسب درجة استجابة كل شخص.

الشعور بالخزي كان يراودها كثيرًا فهي تعرف قدر الهبة التي منحها الله لها ولكنها لم تقوى على الحزن بل استسلمت له، حتى أبسط الأشياء التي تدخل السرور على الأمهات الجدد كشراء ملابس الطفل لم تشعر منال بها، بل كانت مثقلة بها ولا تعرف سبب واضح للحالة التي وصلت إليها.

لماذا يحدث اكتئاب الحمل؟

يتمثل اكتئاب الحمل في الميل إلى التفكير السلبي، وتعاني منه المرأة في فترة الحمل بالإضافة إلى الحزن والأحاسيس الخاوية من الحياة التي تترافق مع الاكتئاب، هكذا يقول الدكتور حازم عوض أخصائي الطب النفسي في كتابه " الأمراض النفسية العدول الأول للإنسان العصري"، ويضيف أن النساء اللائي يعانين من اكتئاب الحمل شعرن أنهم سيلحقن بأطفالهن الضرر مما يزيد شعورهن بأنهن أمهات غير صالحات.

ويوضح عوض، أنه لا يوجد سبب محدد للأزمات العاطفية التي تعاني منها الحامل، ويعتقد الخبراء أن التغيرات السريعة التي تحدث في مستوى الهرمونات الأنثوية تؤثر بشكل كبير على الصحة العقلية للمرأة، ويشير إلى أن المبيضين والمشيمة يفرزان البروجيسترين والأستروجين، لتمكين الرحم من احتضان البويضة الملحقة والحفاظ عليها ويرتفع مستوى تلك الهرمونات فترة الحمل إلى 10 أضعاف، ثم ينخفضان بمستوى كبير بعد الولادة وذلك ما يسبب التغيرات المزاجية والاكتئاب في فترة الحمل والولادة.

ويؤكد عوض، أن هناك فئات عديدة من النساء أكثر عرضة من غيرهن للإصابة بالمرض، وتشمل النساء اللاتي أصبن باكتئاب في فترة سابقة من حياتهن، أو اللاتي حملن سابقا وكانت الولادة متعثرة أو فقدن الجنين، أو لديهن صديقة أو قريبة مرت بحمل صعب، أو اللائي تعرضن لضغط أو تغيرات مفاجئة في الحياة.

ويشير، أخصائي الصحة النفسية، إلى أن النساء اللائي يعانين مما يسمى بمتلازمة ما قبل الحيض يكن أكثر عرضة للاكتئاب بسبب الاضطرابات الهرمونية التي يعانين منها قبل الزواج، ويؤكد أن تجربة الحمل في حد ذاتها تغير في الحياة وتكيف كل امرأة معها يختلف عن الأخرى مما يجعل البعض عرضة للاكتئاب وأخريات تمر فترة حملهن بسلام، ولكن من تتعرض لاكتئاب ما بعد الحمل دون مساعدة نفسية تكون أكثر عرضة لاكتئاب ما بعد الولادة.

علامات تنذر باكتئاب الحمل.. هذا تأثيره على الأم وجنينها

مجموعات الدعم

بعد 9 أشهر مثقلة وضعت منال طفلتها كايلا، لم تشعر بالدفء والحميمية التي تحكي عنها الأمهات بل كانت تشعر بالضيق من صوت بكائها، حتى أوقات الرضاعة كانت تمر بصعوبة بالغة،"طول الوقت كانت مع والدتي وأنا وظيفتي أرضعها وبس"، أتمت الصغيرة شهرين ولازالت في نفس الحالة، حتى عثرت في أحد المجموعات على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك على ما يعرف بمجموعات الدعم.

مجموعات الدعم هي مجموعات تتشارك فيها الأمهات في جلسات قائمة على الحكي بالأساس وبعض الأنشطة الأخرى للتخفيف من وطأة الأعباء النفسية التي تمر بها الأم في جميع المراحل بداية من الحمل ثم الولادة وما بعدها، هكذا تقول شيماء رضا الأخصائية النفسية والتي تدير أحد تلك المجموعات.

تعمل شيماء، في أحد المراكز النفسية ومن خبرتها العملية وجدت أن كثير من الأمهات يعانين من الاكتئاب في المراحل المختلفة، وأيقنت أن هناك المزيد منهن يتحملن في صمت ولا أحد يعرف أوجاعهن، مما دفعها للمشاركة في أحد المجموعات حتى أصبحت تديرها وفق مخطط متفق عليه ورؤية موضوعة سلفًا في عدد من المدارس النفسية في مختلف دول العالم.

المجموعات التي تعتمد على الحكي كانت الحل السحري لمنال، حيث وجدت ضالتها في مجموعة ممن يشاركنها دون أن يشعروها بالذنب أو أنها جانية "لأول مرة أتكلم بدون خوف أو كسوف"، ساعدها الانضمام لمجموعات الدعم وعدد من الجلسات الخاصة مع طبيب نفسي في تحسين حالتها بل وتجاوز تلك الفترة العصيبة التي ظنت يومًا أنها لن تمر.

في دراسة نشرت في المجلة الطبية البريطانية، شملت 14541 امرأة حامل على مدى عام ونصف لتقييم حالتهن النفسية في الأسبوع الثامن عشر والثاني والثلاثين من الحمل، ثم إعادة التقييم في الأسبوع الثامن والشهر الثامن بعد الولادة كانت النتيجة أن أعلى نسبة للاكتئاب كانت في الأسبوع الثاني والثلاثين من الحمل أي قبل أسابيع قليلة من الولادة.

كانت نسبة الاكتئاب المحددة التي لاحظها العلماء هي أن 11.8 من النساء أصبن بالاكتئاب عند الأسبوع الثامن عشر من الحمل والتي ارتفعت لتكون 13.5% منهن في الأسبوع الثاني والثلاثين، وانخفضت نسبة الاكتئاب بين النساء بعد الولادة لتكون 9.1% عند الأسبوع الثامن بعد الولادة و 8.1 عند الشهر الثامن بعد الولادة.

وتشير الدراسة، إلى أن أعراض وحدة الاكتئاب تزيد في فترة الحمل وليست بعد الولادة كما كانت تقول الأبحاث السابقة، كما توضح الدراسة وجود مشكلة في اكتشاف اكتئاب فترة الحمل وذلك بسبب تماثلها مع كثير من أعراض الحمل الأخرى من إرهاق وتغير في الشهية وعدم القدرة على النوم والاحساس العام بالخمول.

كايلا في عامها الثاني، ومنال تباشر عملها وتتابع صغيرتها التي أضاءت الجانب المظلم في حياتها، بل ودلتها على مسار جديد من الحياة يعمه المرح والتعلم والاستكشاف.

فيديو قد يعجبك:

صحتك النفسية والجنسية