أزمة تكليف أطباء الأسنان.. مفاوضات متوقفة وقضية تُحسم في ساحات القضاء
كتب : أحمد فوزي
طبيب الاسنان
تشهد المنظومة الصحية في مصر واحدة من أعقد أزماتها خلال السنوات الأخيرة، بعد تفاقم الخلاف بين نقابة أطباء الأسنان ووزارة الصحة حول قرار تطبيق نظام التكليف الجديد، وهو القرار الذي سيُطبق لأول مرة على دفعة 2023، وسط عجز واضح في إيجاد حلول عملية لآلاف الخريجين الذين يواجهون مستقبلا مهنيا غامضا.
المسار التفاوضي وصل إلى طريق مسدود
يؤكد الدكتور حسين عبد الهادي، أمين عام نقابة أطباء الأسنان، أن النقابة استنفدت كل السبل الودية مع الوزارة، قائلاً: "مسار المفاوضات توقف تماما، حاولنا إقناع الوزارة بإرجاء القرار أو تعديله، لكن كل مقترحاتنا قوبلت بالرفض، ولم يتبقَ أمامنا سوى المسار القضائي."

نتيجة تكليف أطباء الأسنان 2023
ويكشف عبد الهادي في تصريحات خاصة لـ"الكونسلتو"، أن القرار الصادر في 2022 كان من المفترض تطبيقه على دفعة التكليف نفسها في ذات العام، غير أن النقابة طلبت أن يبدأ تطبيقه على الطلاب الذين التحقوا بالدراسة في 2022 على أن يتخرجوا 2027، باعتبار أن القرارات الهيكلية يجب أن تُطبّق على من التحقوا بالمنظومة التعليمية بعد صدوره، إلا أن الوزارة تمسكت بالتنفيذ في 2025، ما جعل دفعة 2023 أول دفعة متضررة.
اقرأ أيضًا: الصحة: انطلاق مؤتمر CADEx لتطبيق أحدث تقنيات علاج الأسنان
مقترحات بلا استجابة
قدّمت النقابة مجموعة من المقترحات لتخفيف أثر القرار، إلا أنها، بحسب عبد الهادي، لم تجد طريقها للتنفيذ، ومن بينها:
- زيادة عدد أسرة الأسنان بالمستشفيات لاستيعاب احتياجات التكليف.
- فصل المنقطعين عن العمل وتوفير أماكنهم للخريجين الجدد.
- زيادة تقديرات الاحتياج وفق واقع المستشفيات.
ويقول عبدالهادي، إن كل الحلول انتهت، ولم يعد أمام خريجي 2023 إلا اللجوء للقضاء، ناصحا كل أطباء الأسنان برفع قضايا أمام مجلس الدولة لأن الحكم فردي، بمعنى أن من يحصل على الحكم يمكنه التكليف، أما من لم يحصل على حكم قضائي لن يتم تكليفه.

قضية مجلس الدولة وغياب كامل للخريجين
في موازاة الأزمة النقابية، يتابع المحامي حسين عبد الهادي حسين، محامي عدد من دفعة 2023، مجريات القضية المرفوعة أمام مجلس الدولة، والتي قد تحدد مصير التكليف.
ويعلن المحامي عن مفاجأة صادمة، وهي أن الجلسة الأخيرة شهدت غيابا كاملا من الأطباء، موضحا أن حضور الخريجين عنصر مهم جدا لإظهار أهمية القضية أمام المحكمة.
وقررت المحكمة تأجيل النظر إلى 14 ديسمبر، وهو ما قد يكون آخر تأجيل قبل حجز القضية للحكم.
ويضيف: "نناشد دفعة 2023 بالحضور الكثيف، لأن غيابهم قد يُفهم على أنه عدم اهتمام بالقضية.

وزارة الصحة تلتزم بالاحتياج والقانون
من جانبه، اكتفى الدكتور حسام عبد الغفار، المتحدث الرسمي لوزارة الصحة، بتأكيد موقف الوزارة، وهو أن القانون يتحدث بوضوح عن أن التكليف يتم وفق الاحتياج، والوزارة تحدد احتياجاتها طبقا للمعايير وتلتزم بذلك، دون إبداء أي استعداد لتعديل القرار أو إعادة النظر في مقترحات النقابة.
أزمة أطباء الأسنان أكبر من التكليف
يرى أمين عام النقابة أن أزمة التكليف ما هي إلا نتيجة طبيعية لسنوات من التحذيرات لم يُستجب لها، موضحا ما يلي:
- أكثر من 84 كلية طب أسنان في مصر بين حكومية وخاصة وأهلية.
- زيادة غير مسبوقة في أعداد القبول تصل إلى 700 طالب في بعض الكليات.
- النقابة طالبت مراراً بألا يتجاوز عدد الخريجين 4000 سنوياً.
ويقول عبد الهادي، إنه في 2005 كانت الدفعة 30 طالب فقط، الآن نواجه دفعات تتخطى 700 في الكلية الواحدة، وهذا يجعل جودة التعليم والتدريب شبه مستحيلة.
الخريجون من أحلام الطب إلى الدليفري
تعكس شهادات النقابة واقعا مؤلما يعيشه خريجو طب الأسنان، إذ أوضح عبد الهادي أن:
- خريجون يعملون دليفري، وكول سنتر، وفي مطاعم.
- تكلفة فتح عيادة خاصة لا تقل عن 500 ألف جنيه.
- غياب التكليف يحرم الخريج من الخبرة المطلوبة للحصول على قروض المبادرات البنكية.
- كثيرون يفشلون في الالتحاق بالجامعات الخاصة بسبب الواسطة أو نقص الارتباطات الأكاديمية.
ويضيف أن التكليف كان طوق النجاة للذين لا يستطيعون فتح عيادة أو دخول القطاع الخاص. ومع إيقافه يصبح مستقبل آلاف الخريجين على المحك.
الحل الذي تراه النقابة
ترى نقابة أطباء الأسنان أن الأزمة يمكن حلها من خلال ما يلي:
- تقليل أعداد القبول فورا.
- فتح برامج دراسات عليا واسعة لاستيعاب 100 ألف طبيب خلال 15–20 سنة.
- إعادة النظر في قرار التكليف أو تطبيقه تدريجياً كما اقترحت لجنة الصحة بالبرلمان.
ووفق أمين عام نقابة الأسنان، تظل الأزمة ليست مجرد خلاف إداري بين وزارة ونقابة، بل صدام بين واقع خدمات صحية تحتاج تخطيطا دقيقا ومنظومة تعليمية توسعت بلا ضوابط، وبينهما يقف آلاف الخريجين في فراغ مهني يهدد مستقبلهم.
القضية الآن أمام القضاء، ودفعة 2023 في سباق مع الزمن، إما أن تنتزع حقها بحضور قوي يوم 14 ديسمبر، أو تصبح أول دفعة تدفع ثمن قرار تأخر النقاش حوله لسنوات.